مـاذا لـو كـنت شـعـور؟
وقعت عيني على أصيص النبات على الطاولة
تلك الفروع الخضراء اليانعة و تلك البراعم الصغيرة
تسر النظر و أشعر نحوها بانجذاب غريب، و كأننا نتشابه في شيءٍ ما.
استحضرتُ مشهداً من فيلم ( LUCY) حين هاتفت أمها بعد تعرضها لجرعة من عقار غريب و قالت: “أنا أشعر بكل شيء”
كل شيء! ما هو المشترك بين كل الأشياء؟ ما هو المشترك بيني و بين النبتة التي أمامي؟ ما المشاعر أو الخصائص التي تصلني بها؟ المشترك بين كل الأشياء هو أن لكل شيء بداية و لكل شيء نهاية. إذن، ماذا بينهما؟
النمو!
هل النمو شعور؟
ما هو الشعور؟ هو اضطراب ما يرصده الجهاز العصبي و على إثره تكون هناك ردة فعل للجسم.
هل النمو اضطراب؟ أو ردة فعل؟ و هل يرتبط بالجهاز العصبي؟
لا أريد شعور البداية و لا شعور النهاية و إنما شعور النمو بينهما. منذ بدء الخلق أريد أن أشعر بالخلية و هي تنشطر لنصفين ثم أربعة ثم ثمانية. أريد أن أشعر بها حين تتكوم مكونة المضغة و العلقة. و أريد رصد تلك اللحظة الانتقالية التي تتحول فيها الخلايا من شيء إلى شخص حين تستقبل الروح. عظم و لحم، أعضاء و دم، كلها من مسيرة النمو و كلها مستثير لهاذا الشعور.
النمو هو شعور فتح العينين لأول مرة و رؤية النور بعد الظلمة، و لحظة النفس الأول و انتفاخ القربتين الاسفنجيتين في الصدر، لحظة يظن فيها المرء أنه يموت فيصرخ و لكنها لحظة نمو أولى.
من النمو تلك المدرعة العظمية حين تشق طريقها عبر لِثةٍ طرية و تبدأ بالفتك بكل من يقترب منها و أختها الكبرى المدرعة العُظمى التي تعثو في الفك و الفم فساداً تُسمى سخرية ضرس عقل و وظيفتها زيادة المرء سفهاً فوق سفه.
طبقات الدهون التي تتراكم مصاحبة معها الاكتئاب و انخفاض حب الذات، شعور اسمه النمو. و بالمقابل بناء العضلات و ما يصاحبها من سعادة و ثقة بالذات أيضاً شعور لا يُسمى إلا نمو.
لدى النمو خطط مقننة لهذا الإنسان. و لدى الإنسان قدرة عجيبة على تدمير تلك الخطط. إذا نام شعور النمو يوماً في جسدك فهذا يعني أنك تموت. و إن أعرض النمو عن وضع خطط الترميم و اكتفى بخطط البناء فقط. لسارت الأجساد المشوهة بثقة و أصبحت هي الطبيعة البشرية الجديدة.
لا تزال تسأل “هل النمو شعور؟” نعم هو شعور يحمل شعوراً يُدعى (حِسّ المسؤولية). و إلا كيف يمكنهُ مباشرة العمل فوراً بعد عظمٍ مكسور، أو رضةٍ كبيرة أو جرحٍ غائر؟ كيف يتركك تنام الليل و لا يسهر على مدّ عِظامك بضع ملمترات حتى تحتفي نهاية العام بأنك أصبحت أطول و أكبر. كيف يتركك متوتراً بعد مباغتةٍ من الخوف و لا يأمر جهازك العصبي أن يبرد أطرافك و ينظم أنفاسك و يزيد دقات قلبك ناقلاً الأكسجين لعقلك ممولاً عمليةً عسكرية عصبية تطرح خططاً تتبعها للنجاة بك بأسرع وقت.
غريزة البقاء، ما هي؟ هل هي شعورٌ منفصل أم شكلٌ آخر للنمو؟ هي حالة استنفار لشعور النمو تعمل على خطط البناء و الهدم و الترميم في آنٍ واحد. هدم؟ و هل يقدم النمو على الهدم؟
لننظر عن قرب لسيناريو كلاسيكي لشخص أصيب بفايروس الانفلونزا. احتقان، سُعال، عطسة ثم ارتفاع حرارة. خلف كواليس هذا السيناريو قصص أخرى. فأول من يرصد اقتحام الفايروس هو شعورك بالنمو، و يعطي تنبيهاً مباشراً لقائد الجيوش (الجهاز المناعي) المتغطرس بسطوته على جنود خلايا الدم البيضاء. يبقى الجسم في معركة لأيام حتى يتفشى الفايروس و يقرر قائد الجيش رفع درجة حرارة الجسم. عندها يضطر شعور النمو أن يتحور لشكل جديد طارئ بخطط هدم مُضافة لخطط البناء و الترميم. هذا الشكل الجديد يدعى غريزة البقاء. فيبدأ الجسم بإخراج السوائل من كل مخرج تخفيفاً على الجسم من أثر الفايروس، و بعد أسبوع أو عشرة أيام يخلع النمو درع البقاء و يطوي خطط الهدم و رغم التعب يعود لمزاولة عمله اليومي، بناء و ترميم. ففضلاً كن عوناً له و عوّض نقص جسمك بالسوائل الدافئة المغذية و العقارات.
شعور النمو يعجز أحياناً و يخيب ظنه بنفسه قبل أن يخذل صاحبه. يعجز عن تنبيهك المُبكر بخلايا الأورام حين تتجمع للمظاهرة، يتأمل أن تكون مظاهرة سلمية و يعمل حثيثاً على تكثيف خطط البناء. و لا يستطيع أن يُقدم على خطة هدم عشوائية فهو يعلم مشروع الهدم الذي قد ينتظر الإنسان مستقبلاً. و حين يظهر خبث تلك الخلايا و يتضح أنها تسرق تموينات البناء دعماً لصفوفها يضطر الجسم خائباً أن يستعين بدعمٍ خارجي.
هي ليست الخطط الناجحة و لا رباطة جأش هذا الشعور بل هي العناية الإلهية التي تبارك كل خطوة و كل نتيجة. و النمو الذي يسير على خططه بنجاح ليس إلا سبب لجسد صحي نتمناه جميعاً لأنفسنا و أحبتنا. هل يجب أن تحس بإحساس معين ليكون النمو شعوراُ بنظرك؟ كونك لا تشعر به لا يعني أنه ليس موجود.
أتمنى أن نكون من أولئك الذين يعيشون بسعادة حتى النهاية. نهرم و شعور النمو قد هرم معنا. يُسلم الراية طوعاً دون أن يقاوم أكثر حين تتوقف الأعضاء منتظرة وصول الملك القابض لتوديع الروح بحفاوةٍ لا تختلف عن يوم استقبالها.
هذا الجسد هو لوحة، فنانها النمو الذي يرسمها من البداية و حتى النهاية.
فضاء
الأربعاء: 10/ 2/ 1441- 9/ 10/ 2019
اسـتـكـنـاهـ
موجة جديدة